كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يقول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} أي في خبره وخبر إخوته: {وَإِخْوَتِهِ} وأسماؤهم روبيل وهو أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهودا، وزيالون، وأمنجر، وأُمهم ليا بنت ايان وهي ابنة خال يعقوب، وولد له من سريّتين له اسم احداهما زاد الأُخرى ملده، أربعة نفر، دان ونفتالي وجاد وآشر، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين، وكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا.
{آيَاتٌ} قرأ أهل مكة آية على الواحد، أي عظة وعبرة، وقيل: عجب، يقال: فلان آية في الحسن والعلم أي عجب، وقرأ الباقون: آيات على الجمع: {لِّلسَّائِلِينَ} وذلك أن اليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فأخبرهم بها كما في التوراة فعجبوا منه وقالوا: من أين لك هذا يا محمد؟ قال: «علّمنيه ربي» وقيل: معناه للسائلين ولمن لم يسأل، كقوله: {سَوَاءً لِّلسَّآلِينَ}.
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ} اللام فيه جواب القسم تقديره: تالله ليوسف وأخوه بنيامين: {أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي جماعة والعصبة ما بين الواحد إلى العشرة، وقيل: إلى الخمسة عشر، وقيل: ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} خطأ بيّن في إيثاره يوسف وأخاه علينا.
{اقتلوا يُوسُفَ} اختلفوا في تأويل هذا القول، فقال وهب: قاله شمعون، كعب: دان، مقاتل: روبيل: {أَوِ اطرحوه أَرْضًا} أي في أرض: {يَخْلُ لَكُمْ} يخلص ويصفو لكم.
{وَجْهُ أَبِيكُمْ} عن شغله بيوسف فإنه قد شغله عنّا وصرف وجهه إليه عنّا: {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} من بعد قتل يوسف: {قَوْمًا صَالِحِينَ} تائبين، وقال مقاتل: يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
{قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ} وهو روبيل، وقال السدي: هو يهودا، وهو أعظمهم وكان ابن خالة يوسف، وكان أحسنهم فيدايا نهاهم عن قتله وقال لهم: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} فإن قتله عظيم.
{وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب} أي في قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره، قتادة: في أسفله، والغيابة: كل شيء غَيَّبَ شيئًا، وأصلها من الغيبوبة، وقرأ أهل المدينة: {غيابات الجب} على الجمع، والباقون: {غيابة} على الواحد، والجبّ: البئر غير المطويّة، قتادة: هو بئر بيت المقدس، وقال وهب: هو بأرض الأردن، كعب: بين مدين ومصر، مقاتل: على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب.
{يَلْتَقِطْهُ} بعض السيارة يأخذه، قراءة العامة بالياء لأنه البعض وقرأ الحسن: {تلتقطه} بالتاء لأجل السيارة، والعرب تفعل ذلك في كل خبر كان عن مضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرًا عن جميعه، كقول الشاعر:
أرى مرّ السنين أخذن مني ** كما أخذ السرار من الهلال

ولم يقل أخذت وقال الآخر:
إذا مات منهم سيد قام سيد ** فدانت له أهل القرى والكنائس

{بَعْضُ السيارة} بعض مارّي الطريق من المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى فينستر خبره: {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما أقول لكم.
قيل للحسن: أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب؟ لهذا قيل: الأب جلاب، والأخ سلاب، فعند ذلك أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الاحتيال، فقالوا ليعقوب: {قَالُواْ ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا} قرأ أبو جعفر بالنون، وقرأ الباقون بإشمام النون للضمّة، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأن أصله تأمننا بنونين فأُدغمت أحدهما في الأخرى.
{لَهُ لَنَاصِحُونَ} نحوطه ونحفظه حتى نردّه إليك، مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير وذلك أن أخوة يوسف قالوا لأبيهم: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قال أبوهم: {إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} فحينئذ قالوا: {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} إلى الصحراء: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}.
وقرأ أبو عمرو بالنون فيهما وكذلك ابن عامر قال، هارون: فقلت لأبي عمرو: كيف تقرأ نرتع ونلعب وهم أنبياء؟ قال: لم يكونوا يومئذ أنبياء، وقرأ أهل الكوفة كلاهما بالياء أي ننعم ونأكل وننشط ونلهو، يقال: رتع فلان في ماله إذا أنعم وأنفقه في شهواته. قال القطامي:
أكفرًا بعد ردّ الموت عنّي ** وبعد عطائك المائة الرتاعا

وقال ابن زيد: معناه يرعى غنمه، وينظر ويعقل فيعرف ما يعرف الرجل.
وقرأ يعقوب {نرتع} بالنون: {وَيَلْعَبْ} بالياء ردًّا للعب إلى يوسف والرتوع إلى إخوته، وقرأ أهل الحجاز نرتع بكسر العين من الارتعاء، أي نتحارس ويحفظ بعضنا بعضًا: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
{قَالَ} لهم يعقوب: {إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} أي ذهابكم: {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} لا تشعرون، وذلك أن يعقوب رأى في منامه أن الذئب قد شدّ على يوسف وكان يحذره، ومن ثم قال هذا فلقّنهم العلة وكانوا لا يدرون فقالوا: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرة رجال: {إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ} ضعفة عجزة مغبونون.
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} في الكلام إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلمّا ذهبوا به: {وأجمعوا} وعزموا على: {أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب وَأَوْحَيْنَا إِلَيْه} هذه الواو مقحمة زائدة تقديره أوحينا، كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ} [الصافات: 103104] أي ناديناه وقال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى ** بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل

أراد انتحى.
{لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني أوحينا إلى يوسف، سوف تتحقق رؤياك، ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وما فعلوه بك، وهم لا يشعرون بوحي الله إليه وإعلامه إياه ذلك، وهذا معنى قول مجاهد، وقيل: معناه وهم لا يشعرون أنك يوسف.
قال ابن عباس: لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنَّ وقال: أنه ليخبرني هذا الجام إنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ثم جئتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله وبعتموه بثمن خس، فذلك قوله: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
قال السدّي: أرسل يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم من الكرامة، فلمّا برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يجد منهم رحمة، فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب، لو تعلم ما يصنع بابنك هؤلاء الأبناء.
فلمّا كادوا ليقتلوه قال يهودا: أليس سألنا أبانا موثقًا ألاّ تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه في البئر، فتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال: يا إخوتاه، ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب، فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبًا تؤنسك، قال: إنّي لم أرَ شيئًا.
فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فيه فقام عليها، فلمّا ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنّها رحمة أدركتهم، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهودا فمنعهم وقال: قد أعطيتموني موثقًا ألاّ تقتلوه، وكان يهودا يأتيه بالطعام. ويقال: إن الله تعالى أمر صخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان، وكان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين أُلقي في النار جرّد من ثيابه وقذف في النار عريانًا فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه وكان ذلك القميص عند إبراهيم، فلمّا مات ورثه إسحاق، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب، فلمّا شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنقه، فكان لا يفارقه، فلمّا أُلقي في البئر عريانًا جاء جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ أخرج القميص منه وألبسه إياه، قال ابن عباس: ثم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف.
{وجاءوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار وترويج ما مكروا، وقد قيل: لا تطلب الحاجة بالليل وإن الحياء في العينين، ولا يعتذر من ذنب في النهار فيتلجلج في الاعتذار فلا يقدر على إتمامه، وقيل: أخّروا المجيء إلى وقت العشاء الآخرة ليدلّسوا على أبيهم.
قال السدّي: فلمّا سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنىّ؟ وهل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فما أصابكم؟ وأين يوسف؟
{قَالُواْ ياأبانا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي نترامى، دليله قول عبد الله: ننتضل، السدّي وابن حيان: نشتد: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ} مصدّق: {لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} لسوء ظنّك بنا وتهمتك لنا، وهذا قميصه ملطخ بالدم فذلك قوله: {وَجَاءُو على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي بدم كذب، وقيل: بدم ذي كذب لأنه لم يكن دم يوسف وإنما كان دم شاة، وهذا كما يقال: الليلة الهلال، وقيل: معناه بدم مكذوب فيه، فوضع المصدر موضع الاسم، كما يقال: ماله عقل ولا معقول.
وقرأت عائشة: {بدم كدب} بالدال غير المعجمة، أي طري، فبكى يعقوب عند ذلك، وقال لبنيه: أروني قميصه فأروه، فقال: يالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا، أكل ابني ولم يخرق عليه قميصه، فحينئذ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ} رتبت: {أَمْرًا فَصَبْرٌ} أي فمنّي أو فعليَّ صبر، وقيل: فصبري صبرٌ: {جَمِيلٌ} وقرأ الأشهب والعقيلي: {فصبرًا} على المصدر أي فلأصبرنّ صبرًا جميلا، وهو الصبر الذي لا جزع ولا شكوى فيه.
وقيل: معناه لا أعاشركم على كآبة الوجه وحبوس الحنين، بل أكون في المعاشرة معكم جميلا كما كنت.
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن ثابت أن يعقوب النبي عليه السلام كان قد سقط حاجباه على عينيه وكان يرفعهما بخرقة فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي.
{والله المستعان على مَا تَصِفُونَ} من الكذب، قالوا: وكان يوسف حين أُلقي في الجب ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة، وقيل: كان ابن عشر، ومكث فيه ثلاثة أيام.
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} أي رفقة مارة من قبل مدين يريدون مصر، فأخطأوا الطريق فانطلقوا يمشون على غير الطريق حتى نزلوا قريبًا من الجب، وكان الجب في قفرة بعيدًا من العمران، إنما هو للرعاة والمجتازة، وكان ماؤه مالحًا فعذب حين أُلقي فيه يوسف، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ليطلب لهم الماء فذلك قوله: {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} الوارد: الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيُهيّئ الأرشية والدلاء، فوصل إلى البئر: {فأدلى} فيها: {دَلْوَهُ} أي أرسلها يقال: أدليت الدلو في الماء إذا أرسلتها فيها، ودلَوتها دلوًا إذا أخرجتها منها، فتعلّق يوسف عليه السلام بالحبل، فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُعطي يوسف شطر الحسن والنصف الآخر لسائر الناس»، قال كعب الأحبار: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر، ضخم العينين، مستوي الخلق، أبيض اللون، غليظ الساقين والساعدين والعضدين، خميص البطن، صغير السرة، وكان إذا ابتسم رأيت النور في ضواحكه، وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع النور، ينبهر بين ثناياه ولا يستطيع أحد وصفه، وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله وصوره ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية، ويقال: إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة وكانت قد أُعطيت سدس الحسن.
فلمّا رآه مالك بن ذعر: {قَالَ يابشرى هذا غُلاَمٌ} واختلفت القراء في قوله: يا بشري، فقرأ أهل الكوفة بسكون الياء، وقالوا: نادى مالك في رجلا من أصحابه، اسمه بشري، فقال: يا بشر، كما يقول: يا زيد، وهذا في محل رفع على النداء المفرد، وهذا قول السدّي.
وقرأ الباقون: {يا بشرايَ} بالألف وفتح الياء على الإضافة وقالوا: بشّر المستقي أصحابه بأنه أصاب عبدًا.
{وَأَسَرُّوهُ} واخفوه: {بِضَاعَةً} نصب على الحال، قال مالك بن ذعر أصحابه من التجار الذين معه وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعض أهل الماء إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه الشركة إنْ علموا بثمنه، عطية عن ابن عباس: يعني بذلك إخوة يوسف، أسرّوا شأن يوسف أن يكون أخاهم وقالوا: هو عبد لنا أبق منّا.
قال الله تعالى: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} فأتى يهودا يوسف بالطعام فلم يجده في البئر فأخبر أخوته بذلك فطلبوه، فإذا هم مالك وأصحابه نزول، فأتوهم فإذا هم بيوسف فقالوا: هذا عبد أبق منّا، وقال وهب: كان يهودا مستندًا من بعيد ينظر ما يطرأ على يوسف، فلمّا أخرجوه رآه فأخبر الآخرين، فأتوا مالكًا وقالوا: هذا عبدنا، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، فقال مالك: أنا اشتريه منكم، فباعوه منه فذلك قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ} أي باعوه، قال ابن مفرغ الحميري:
وشريتُ بُردًا ليتني ** من بعد بُرد كنتُ هامه

أي بعت بردًا وهو غلامه.
{بِثَمَنٍ بَخْسٍ} ناقص وهو مصدر وضع موضع الاسم، قال قتادة: ظلم، الضحاك ومقاتل والسدي: حرام، لأن ثمن الحر حرام، عكرمة والشعبي: قليل، ابن حيان: زيف: {دَرَاهِمَ} بدل من الثمن: {مَعْدُودَةٍ} وذكر العدد عبارة عن القلة، أي باعوه بدراهم معدودة قليلة غير موزونة، ناقصة غير وافية، وقال قوم: إنما قال معدودة لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقل من أربعين درهمًا، إنما كان يعدونها عدًّا، فإذا بلغ أوقية وزنوه، لأن أقل أوزانهم وأصغرها يومئذ كان أوقية، والأوقية أربعون درهمًا.
واختلف العلماء في مبلغ عدد الدراهم التي باعوه بها، فقال ابن سعود وابن عباس وابن قتادة والسدّي: عشرون درهمًا، فاقتسموها درهمين درهمين، مجاهد: اثنان وعشرون درهمًا، عكرمة: أربعون درهمًا.
{وَكَانُواْ} يعني أخوة يوسف: {فِيهِ} في يوسف: {مِنَ الزاهدين} لم يعلموا كرامته على الله ولا منزلته عنده.
ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف وتبعهم إخوته يقولون لهم: استوثقوا منه لا يأبق، فذهبوا حتى قدموا به مصر، فاشتراه قطفير، قاله ابن عباس، وقيل: اطفير بن روجيت وهو العزيز وكان على خزائن مصر.
وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها الريان بن الوليد بن ثروان بن ارامة بن فاون بن عمرو ابن عملاق بن لاود بن سام بن نوح، وقيل: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ثم مات يوسف بعد حيّ، فملك بعده قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن اليبلواس بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوي بن سام بن نوح وكان كافرًا فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى أن يقبل.
قال ابن عباس: لما دخلوا مصر تلقى قطفير مالك بن ذعر فابتاع يوسف منه بعشرين دينارًا وزوج نعل وثوبين أبيضين، وقال ابن منبه: قدمت السيّارة بيوسف مصر فعرضوه للبيع فترافع الناس في ثمنه وتزايد حتى بلغ ثمنه وزنه مسكًا وورقًا فابتاعه قطفير بن مالك بهذا الثمن فذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ}.